يشرفني أن أعرض أمام حضراتكم هذا البحث المتواضع والذي يمثل التجربة الأردنية في هذا المجال ، حيث أخذ القانون الأردني وتحديدا قانون استقلال القضاء بمبدأ تعين المرأة في سلك القضاء ، حيث تجاوز عدد القاضيات الاربعين قاضيه يعملن في معظم التخصصات القانونية وفي جميع المحاكم ماعدا محكمة التمييز الأردنية .
وسنحاول جاهدين أن نصل الى خلاصة مفادها أن المرأة الأردنية أثبتت جدراتها بل تميزت ، وهذا الذي نقوله من واقع تجربة شخصية من خلال عملي كمحام يوجد لي قضايا في معظم المحاكم .
أما الموضوع الأهم فإننا سنركز على مدى شرعية تولي المرأة القضاء وفق الكتاب والسنة والاجتهادات ومقارنة ذلك مع التشريعات الأردنية سواء كان الدستور أم القانون .
وعليه سيتم تقسيم هذا البحث إلى الفصول الثلاثة التالية :
الفصل الأول : رأي الشرع الإسلامي بهذا الأمر
الفصل الثاني : رأي الفقه والقانون الوضعي .
الفصل الثالث : إستبيان يوضح مدى قدرة المرأة على ممارسة القضاء
الخاتمة : رأي الباحث .
المرأة وولاية القضاء
بحث مقارن ما بين الشريعة الإسلامية والقانون الأردني
مقدمة :
الأصل في القضاء ومشروعيته الكتاب والسنة والإجماع وهو فرض كفاية لا يستقيم بدونه .
إن ولاية القضاء ليست من المسائل السهلة بل هي بطبيعتها تتجاوز الحدود المعروفة لغايات اشغال الوظائف العامة ، لذا سنتكلم عن ذلك من خلال فصلين يتضمن الفصل الاول مباحث ثلاثة وهي :
- المبحث الأول : شروط تولى القضاء .
- المبحث الثاني : إنعقاد الولاية للقاضي .
- المبحث الثالث : عمومية القضاء – وسنتاوله من خلال ثلاثة مطالب وهي :
- المطلب الاول : العمومية
- المطلب الثاني : طلب القضاء .
- المطلب الثالث : رسالة سيدنا عمر بن الخطاب للقضاء .
أما الفصل الثاني : فيتضمن شروط القضاء في التشريع الأردني .
- المبحث الأول : شروط من يتولى القضاء في الشريعة الاسلامية :
1- الذكورة
2- العقل
3- الحرية
4- الإسلام
5- العدالة
6- السلامة
7- العلم بالأحكام الشرعية
أولا : الذكورة : وهي أن يكون رجلا وهذا الشرط يجمع بين صفتين البلوغ والذكوريه ، فأما البلوغ فإن غير البالغ لا يجري عليه قلم ولا يتعلق عليه حكم والأول لا يعلق على غيره حكم أما المرأة فلنقص النساء عن رتب الولايات وان تعلن بقولها احكام . وقد قال أبو حنيفة يجوز أن تقضي المرأة فيما تصح فيها شهادتها ، ولا يجوز ان تقضي فيما لا تصح فيها شهادتها ، وشد إبن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قوله الله تعالى (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض )) صدق الله العظيم (1) .
وهنا لا بد من بحث القوامة ماذا تعني وما علاقتها بالقضاء بما يخص المرأة؟؟ ولقد ورد التفسير للآية الكريمة الرجال قوامون مسلطون على النساء يؤيدونها وياخذون على أيديهن بما فضل الله بعضهم على بعض أي التفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك . وأما قول سيدنا أبو حنيفة أن للمرأة أن تقضي بما تصح به شهادتها ، أي أن شهادة المرأة تصح بالحاله المنفردة في الأمور الخاصة بالنساء والتي لا يجوز أن يطلع عليه الرجال .
(1) الاية (34) من سورة النساء / تفسير الجلالين - دار المعرفة / بيروت- لبنان
أما فيما عدا ذلك فلا يصح لها ذلك ، هذا الأمر أخذ به في قانون أصول المحاكمات الشرعية من حيث عدم جواز شهادة المرأة المنفردة إلا أن تكون معها شاهدة أخرى مصداقا لقوله تعالى (( أن تذًكر إحداهما الأخرى )).
أما في القوانين الوضعية المعمول بها في المحاكم الأردنية فإن الشهادة مقبولة للمرأة في جميع الأمور دون إستثناء إلا ما كان لأصل أو فرع وهذا ليس له علاقة بموضوعنا وبتدقيق كافة النصوص القانونية في النظام القانوني الأردني – القضاء المدني لا يوجد ما يمنع من شهادة المرأة في الشروط المحددة لأي شاهد سواء كان هذا الشاهد ذكرا أم أنثى .
وإن وجود قاضيات في محاكم المملكة الأردنية الهاشمية كما أسلفت وعلى إختلاف أنواعها ما هو إلا تطبيق لنص الدستور وللقوانين الأخرى التي لا تمنع تولي المرأة القضاء وعليه فإن وجودها في القضاء يخالف الشرع الاسلامي بالإجماع المشار إليه عدا ما ذهب إليه العلامه القرطبي وبالنتيجــة
ولعدم تطبيق الأحكام الشرعية في القضاء المدني – العادي – على كافة مناحي الحياة فيما عدا المحاكم الشرعية التي تفصل في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين فإن وجود القاضية على منصة القضاء يتوافق مع القوانين الوضعية الأردنية و إذا إستثنينا القانون المدني الأردني فإنها جميعا تشكل مخالفة شرعية وطالما أن المخالفة الشرعية موجودة ابتدا وأن ولاة الأمر يتحملون المسؤولية أمام الله سبحانة وتعالى وبذلك تكون المخالفة الشرعية المترتبة على تولية المرأة للقضاء هي في عداد المخالفات الشرعية التي يرتكبها ولاة الأمر وبالتالي أمرهم الى الله سبحانة وتعالى – وطالما إن المرأة أثبتت قدرتها ومارست عملها بشكل مساوي لقدرة الرجل في القضاء الأردني فإن وجودها كقاضية ليس فيه ضرر للأحكام والخصوم على حد سواء ، مع تمسكنا بان تعينها في القضاء الأردني يخالف أحكام الشرع إبتداء إضافة إلى ما سيتم توضيحه لاحقا أثناء تعداد وشرح بقية الشروط الواجب توافرها في القاضي .
ثانيا : العقل : فهو ما يكون ويصح اعتباره انه ما يتوصل القاضي بذكائه الى إيضاح ما اشكل وفصل ما أعضل .
ثالثا : الحرية : ولان نقص العبد عن ولاية نفسة يمنع من إنعقاد ولاية غيره.
رابعا : الإسلام : وهو من شروط تولية القضاء فإن هذا الشرط يجب أن يطبق بحذافيره مصداقا لقولة تعالى (( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )) وإن سيدنا أبو حنيفة وأن أجاز أن يكون غير المسلم قاضيا على غير المسلمين (( بين أهل دينه )) وقد فسر ذلك أن هذا التعليق هو تقليد رياسه وزعامه وليس بتقليد حكم وقضاء إنما يلزم أهل دينه طاعته وعدم الخروج عن أمره ، وعليه فإن وجود قضاة غير مسلمين محرم شرعا .
خامسا : العدالة : وهي المعتبرة في كل ولاية سواء كان القاضي أو الحاكم أو الوالي أو العائد ، ومعناها أن يكون صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحارم متوقياً المآثم بعيدا عن الريب مأمونا في الرضا والغضب ، مستعملا لمرؤة مثله في دينه ودنياه .
سادسا : السلامة في الجسم والعقل : فإن سلامة السمع والبصر فيصح فيها إثبات الحقوق ليفرق فيها بين الطالب والمطلوب ويعرف المحق من المبطل أما الضرير فولايته للقضاء باطلة ما عدا الإمام مالك فقد جوزها .
أما الشرط سابعا فهو شرط العلم بالأحكام الشرعية : والتي تشتمل على اصولها وفروعها وأصول الأحكام أربعه العلم بكتاب الله وسنة رسوله القياس ، التأويل ، وهذا الأمر بالنسبة لولاية القضاة أعتقد جازما أنه لا يتوافر في القضاة النظامين لأن طبيعة دراساتهم ابتداء قانونية وليست شرعية وإن تطبيقهم للقانون الوضعي هو الأصل وإن مجال العلم والمعرفة بهذه الأمور من الصعب جدا السير فيه لان ما يعقد من ندوات ودورات في الغالب الأعم يدور حول الفقه القانوني الوضعي والدراسات المقارنة ، حتى الدراسات العليا التي يتم دراستها تكون في المجال القانوني ولا يؤخذ بالمقارنة مع الشريعة الإسلامية إلا في القليل من الأمور كمبحث أو كفصل فقط ، بالتالي هذا نقص في التشريع القانوني الأردني يجب أن يتم تجاوزه .
- المبحث الثاني : انعقاد الولاية للقاضي .
وولاية القضاء تنعقد بما تنعقد به الولايات مع الحضور باللفظ مشافهه ومع الغيبة مراسلة ومكاتبه ولكن لا بد مع المكاتبة من أن يقترن بها من شواهد الحال ما يدل عليها عند المولى واهل عمله .
والألفاظ التي تنعقد بها الولاية : صريح وكنايه .
فالصريح أربعة ألفاظ : قد قلدتك ، ووليتك ، وإستخلفتك ، وإستنبتك ، فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ إنعقدت ولاية القضاء وغيرها من الولايات وليس يحتاج معها الى قرينه أخرى إلا أن يكون تأكيدا لا شرطا .
فأما الكنية فقد ذكر بعض أصحابنا إنها سبعة ألفاظ : قد إعتمدت عليك، ورددت إليك ،وجعلت إليك ، وفوضت إليك ، ووكلت إليك، وأسندت إليك ، فهذه الألفاظ لما تضمنته من الاحتمال تضعف في الولاية عن حكم الصريح حتى يقترن بها في عقد الولاية ما ينفي عنها الاحتمال فتصير مع ما يقترن بها في حكم الصريح مثل قوله"فأنظر فيما وكلته إليك وأحكم فيما إعتمدت فيه عليك" فتصير الولاية بهذه القرينه مع ما تقدم من الكناية منعقدة ، ثم تمامها موقوف على قبول المولى ، فإن كان التقليد مشافهة فقبوله على الفور لفظا ، وإن كان مراسله أو مكاتبه جاز أن يكون على التراخي ، ويجوز قبوله بالقول مع التراخي ، وأختلف في صحة القبول بالشروع في النظر ، فجوزه بعضهم وجعله كالنطق وأباه آخرون حتى يكون نطقا لأن الشروع في النظر فرع لعقد الولاية فلم ينعقد به قبولها .
ويكون تمام الولاية مع ما ذكرنا من لفظ التقليد معتبرا بأربعة شروط :
أولها معرفة المُولِى للمُولَى بأنه على الصفة التي يجوز أن يُولى معها ، فان لم يعلم انه على الصفة التي تجوز معها تلك الولاية لم يصح تقليده ، فلو عرفها بعد التقليد استأنفها ولم يجز أن يعول على ما تقدمها .
والشرط الثاني معرفة المُولِى بما عليه المُولَى من إستحقاق تلك الولاية بصفته التي يصير بها مستحقا لها وأنه قد تقلدها وصار مستحقا للإنابة فيها إلا أن هذا شرط معتبر في قبول المولى وجواز نظره وليس بشرط في عقد تقليده وولايته ، بخلاف الشرط المتقدم وليس يراعي في هذه المعرفة المشاهدة بالنظر ، وإنما يراعى في انتشارها بتتابع الخبر .
والشرط الثالث ذكر ما تضمنه التقليد من ولاية القضاء أو إمارة البلاد أو جباية الخراج لان هذه شروط معتبرة في كل تقليد فإفتقرت إلى تسمية ما تضمنت ليعلم على أي نظر عقدت فإن جهل فسدت .
والشرط الرابع ذكر تقليد البلد الذي عقدت الولاية عليه ليعرف به العمل الذي يستحق النظر فيه ، ولا تصح الولاية مع الجهل به ، فإذا إنعقدت تم تقليد الولاية بما ذكرنا من الشروط وإحتاج في لزوم النظر إلى شرط زائد على شروط العقد وهو إشاعة تقليد في لزوم الطاعة وليس بشرط في نفوذ الحكم ، فإذا صحت عقدا ولزوما بما وصفناه صح فيها نظر المولى ، والمولى كالوكالة لإنهما معا إستنابه ولم يلزم المقام عليها من جهة المولى ولا من جهة المولي وكان للمولى عزله عنها متى شاء .
وللمولى عزل نفسه عنها إذا شاء غير أن الأولى بالمولي أن لا يعزله إلا بعذر ، وأن لا يعتزل المولى إلا من عذر لما في هذه الولاية من حقوق المسلمين ، فإذا عزل أو إعتزل وجب إظهار العزل كما وجب إظهار التقليد حتى لا يقدم على إنفاذ حكم ولا يغتر بالترافع إليه خصم ، فإذا حكم بعد عزله وقد عرف عزله لم ينفذ حكمه ، وإن حكم غير عالم بعزله كان في نفوذ حكمه وجهان كإختلافهما في عقود الوكيل .
- المبحث الثالث : عمومية القضاء
سيتم تقسيم هذا المبحث الى ثلاث مطالب المطلب الأول العمومية ، المطلب الثاني طلب القضاء المطلب الثالث رسالة سيدنا عمر بن الخطاب للقضاء
- المطلب الأول : العمومية
ولا تخلو ولاية القاضي من عموم أو خصوص ، فإن كانت ولايته عامة مطلقة التصرف في جميع ما تضمنته فنظره مشتمل على عشرة أحكام :
أحدهما فصل في المنازعات وقطع التشاجر والخصومات ، إما صلحا عن تراض ويراعى فيه الجواز أو إجبارا بحكم بات يعتبر في الوجوب .
والثاني إستيفاء الحقوق ممن مطل بها وإيصالها إلى مستحقيها بعد ثبوت إستحقاقها من أحد وجهين : إقرار ، أو بينه .
وإختلف في جواز حكمه فيها بعلمه ، فجوزه مالك والشافعي رضي الله عنهما أصح قوليه ، ومنع منه في القول الأخر .
وقال أبو حنيفه رحمه الله يجوز أن يحكم بعلمه فيما علمه في ولايته ولا يحكم بما علمه قبلها .
والثالث الولاية على من كان ممنوع التصرف بجنون أو صغر والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو ليس عادلا في توزيع الاموال على مستحقيها .
والرابع النظر في الأوقاف بحفظ أصولها وتنمية فروعها والقبض عليها وصرفها في سبيلها ، فإن كان عليها مستحق للنظر فيها راعاه وأن لم يكن تولاه ، لانه لا يتعين للخاص فيها إن عمت ، ويجوز أن يفضي إلى العموم وإن خصت .
والخامس تنفيذ الوصايا على شروط الموصي فيما أباحه الشرع ولم يحظره . وإن كانت لمعينين كان تنفيذها بالاقباض ، وإن كانت في موصوفين كان تنفيذها أن يتعين مستحقوها بالاجتهاد ويملكوا بالاقباض ، فإن كان فيها وصي راعاه وإن لم يكن تولاه .
والسادس تزويج الأيامى بالأكفاء إذا عدمن الأولياء ودُعين إلى النكاح ، ولا يجعله أبو حنيفه رضي الله عنه من حقوق ولايته لتجويزه تفرد الايم بعقد النكاح .
والسابع إقامة الحدود على مستحقيها ، فإن كان من حقوق الله تعالى تفرد بإستيفائه من غير طالب إذا ثبت بإقرار أو بينه ، وإن كان من حقوق الآدميين كان موقوفا على طلب مستحقه .
وقال أبو حنيفه لا يستوفيها معا إلا بخصم مطالب .
والثامن النظر في مصالح عمله من الكف عن التعدي في الطرقات والافنيه وإخراج ما لا يستحق من الاجنحة والأبنية ، وله أن ينفرد بالنظر فيها وإن لم يحضره خصم .
وقال أبو حنيفه لا يجوز له النظر فيها إلا بحضور خصم مستعد ، وهي من حقوق الله تعالى التي يستوي فيها المستعدي وغير المستعدي فكان تفرد الولاية بها أخص .
والتاسع تصفح شهوده وأمنائه وإختيار النائبين عنه من خلفائه في إقرارهم والتعويل عليهم مع ظهور السلامة والاستقامة وصرفهم والاستبدال بهم مع ظهور الجرح والخيانة ، ومن ضعف منهم عما يعانيه كان موليه بالخيار إليه من يكون إجتماعه عليه أنفذ وأمضى .
والعاشر التسوية في الحكم بين القوي والضعيف والعدل في القضاء بين المشروف والشريف ، ولا يتبع هواه في تقصير المحق أو ممايلة مبطل ، قال الله تعالى :
(( يا داوُد إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )).
- المطلب الثاني : طلب القضاء (1)
أما طلب القضاء وخطبة الولاة عليه : فإن مرد ذلك إلى الشخص الطالب أو الخاطب للقضاء فإن كان من غير أهل الاجتهاد فإن هذا التعرض محظورا أما إن كان من أهل الاجتهاد والعلم والمعرفة وتنطبق عليه شروط ولاية القضاء فإن هذا الطلب فيه نظر من ثلاثة أحوال :
الاول : أن يكون من ولي القضاء في غير مستحقه إما لنقص علمه أو لظهور جوره فبطلب القضاء وفقا لمن لا يستحقه ليكون فيمن هو بالقضاء أحق فهذا سائغ لما تضمنه من دفع منكر .
الثانية : أن يكون من ولي القضاء مستحقا ومن أهله ولكن يريد عزله إما لعداوة بينهما وإما ليجر بالقضاء نفعا ، فهذا الطلب محظور .
الثالثة : أن يكون القضاء خالي من ناظر او وال عليه ، فيراعي في طلبه ، إن كان لحاجته رزق القضاء في بيت المال كان طلبه مباحا وإن كان لرغبه في إقامة الحق وخوفه أن يتعرض له غير مستحق كان طلبه مستحبا ،اما إن كان في طلبه المباهاه والمنزلة والجاه فهو مكروه ، لقوله تعالى :
(( تلك الدار الاخره نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )) .
(1) أنظر بذلك بشكل مفصل الأحكام السلطانية ص94 الولايات الدينيه تأليف ابي الحسن علي بن محمد حبيب البصري البغدادي / دار المكتبه العلميه
وذهبت طائفة أخرى الى أن طلبه لذلك غير مكروه ، لأن طلب المنزلة مما أبيح ليس بمكروه ، وقد رغب نبي الله يوسف عليه السلام الى فرعون في الولاية والخلافة فقال :
(( إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )) .
فطلب الولاية ووصف نفسه بما يستحقها به من قوله ( إني حفيظ عليم ) وفيه تأويلان : أحدهما حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني ، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد . والثاني أنه حفيظ للحساب عليم بالألسن وهذا قول إسحاق بن سفيان . وخرج هذا القول على حد التزكية لنفسه والمدح لها لانه كان لسبب دعا إليه وأختلف لأجل ذلك في جواز الولاية من قبل الظالم فذهب قوم الى جوازها إذا عمل بالحق فيما يتولاه ، لأن يوسف عليه السلام تولى من قبل فرعون ليكون بعدله دافعا لجوره .
وذهبت طائفة أخرى الى حظرها والمنع من التعرض لها لما فيها من تولي الظالمين والمعونة لهم وتزكيتهم بالتقليد أو أمرهم .
وأجابو عن ولاية يوسف عليه السلام من قبل فرعون بجوابين : أحدهما أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى . والثاني أنه نظر في أملاكه دون أعماله .
فأما بذل المال على طلب القضاء فمن المحظورات لأنها رشوة محرمة يصير الباذل لها والقابل مجروحين .
روى ثابت عن انس (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي والرائش )). والراشي : باذل الرشوة ، والمرتشي : قابلها ، والرايش : المتوسط بينهما .
وليس لمن تقلد القضاء أن يقبل هديه من خصم ولا أحد من اهل علمه وإن لم يكن له خصم لانه قد يستعديه فيما يليه .
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( هدايا الأمراء غُلول )) .
فإن قبلها وعجل المكافأة عليها ملكها ، وإن لم يعجل المكافأة عليها كان بيت المال أحق بها إن تعذر ردها على المهدي لانه أولى بها منه ، وليس للقاضي تأخير الخصوم إذا تنازعوا إليه إلا من عذر ولا يجوز له أن يحجب إلا في أوقات الاستراحة ، وليس له أن يحكم لأحد من والديه ولا من أولاده لأجل التهمه ويحكم عليهم لإرتفاعها ، وكذلك لا يشهد لهم ويشهد عليهم ، ويشهد لعدوه ولا يشهد عليه ، ويحكم لعدوه ولا يحكم عليه لان أسباب الحكم ظاهره وأسباب الشهادة خافية فإنتقت التهمة عنه في الحكم وتوجهت اليه في الشهادة وإذا مات القاضي إنعزل خلفاؤه ولو مات الإمام لم تنعزل قضاته ولو إتفق اهل بلد قد خلا من قاض على أن قلدوا عليهم قاضيا ، فإن كان إمام الوقت موجودا بطل التقليد ، وإن كان مفقودا صح التقليد ونفذت أحكامه عليهم فإن تجدد بعد نظره إمام لم يستدم النظر إلا بإذنه ولم ينقض ما تقدم من حكمه .
- المطلب الثالث : رسالة سيدنا عمر بن الخطاب
وقد إستوفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده الى أبي موسى الأشعري شروط القضاء وبين أحكام التقليد فقال فيه : أما بعد ، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعه ، فإفهم إذا أدلى إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما او حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت فيه اليوم عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع الى الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه ، ثم أعرف الأمثال والاشباه ، وقس الأمور بنظائرها واجعل لمن إدعى حقا غائبا أو بينه أمدا ينتهي إليه ، فمن أحضر بينه أخذت له بحقه وإلا استحللت القضية عليه ، فإن ذلك أنفى للشك وأجل للعمى والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد او مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء او نسب فإن الله عفا عن الإيمان ودرأ بالبينات ، وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذكر والسلام .
يستنتج من ذلك أن سيدنا عمر وجه القضاء إلى عدة أمور اهمها :
1- أن القضاء فريضة محكمة .
2- إن القضاء سنه متبعه .
3- العدل بين الناس في المجلس وفي السر وفي العلن .
4- البينة على من إدعى واليمين على من أنكر .
5- إبدأ بالصلح .
6- الرجوع الى الحق .
7- الفهم والمراجعة في حالة عدم وجود نص .
8- الشهود عدول .
هذه الأمور تشترطها معظم التشريعات الوضعية ومنها القانون الاردني ومرونة القضاء .
الفصل الثاني
شروط القضاء في القانون الأردني
المقدمة :
النظام القضائي الفعال هو حجر الأساس للدولة ، وذلك من أجل تحقيق الغاية المرجوة وهي إقامة العدل – العدل أساس الملك – ويمثل المجلس القضائي الأردني قمة الهرم القضائي وهي السلطة القضائية وتقسم المحاكم الأردنية بموجب المادة 99 من الدستور الأردني إلى ثلاثة أنواع:
- المحاكم النظامية
- المحاكم الدينية
- المحاكم الخاصة
وننوه إليها بالآتي :
المحاكم النظامية المحاكم الدينية المحاكم الخاصة
الدرجة/1 الدرجة /2 الدرجة/3 المحاكم الشرعية المحاكم الكنائسيه الجنايات جمارك ضريبة محاكم امن
دخل عسكريه دوله
الاستئناف التمييز
بداية استئناف بداية استئناف
بداية صلح
محاكم شرطه محاكم محكمة
مخابرات أمن دوله
- ماهي الشروط الواجب توافرها في القاضي حسب القوانين الوضعية المادة (10) من قانون استقلال القضاء :
1) أن يكون أردني الجنسية غير متمتع بحماية أجنبيه
2) أن يكون قد أتم السابعة والعشرين من عمره وتتوافر فيه الشروط الصحية للتعين .
3) متمتعا بالأهلية المدنية ، وغير محكوم بأية جناية بإستثناء الجرائم السياسية .
4) غير محكوم من محكمة أو مجلس تأديبي لأمر مخل بالشرف ولو رد اعتباره أو شمله عفو عام .
5) أن يكون حاصلا على شهادة الدراسة الجامعية الأولى الحقوق من جامعة معترف بها .
وبالتدقيق في هذه الشروط ومقارنتها مع الشروط الواجب توافرها في القاضي حسب أحكام الشريعة الإسلامية فإن هناك فارقا واسعا مابين تلك الشروط ويمكن إجمال قواعد توافقية لشروط تبؤ القضاء في الشريعه والقانون .
يتضح أن شرط الأهلية وحسن الخلق والاستقامة والنزاهة هي شروط تجتمع ما بينهما لكن شرط الذكوره في القانون الوضعي ليس شرطا للتعين في القضاء كذلك شرط العلم بالأحكام الشرعية والسنة والاجماع والناسخ والمنسوخ والقياس لا يؤخذ به أيضا هناك توافق في موضوع الصحة وشروطها من حيث اللياقة وكذلك الشريعه لا تشترط أن يكون القاضي في سن محدده لكنه مهم بالنسبة للشروط إذ ليس من المعقول أن يتولى القضاء شخص جاهل وإن العلم بالأحكام تحصل حاصل .
وهنا لا بد لنا أن نشير إلى أن الشروط التي حددها الإسلام لتبؤ القضاء لا تنطبق في مجملها و/أو مفردها على جميع القضاة النظاميين دون استثناء . اما القضاء الشرعي فإنه لا يقل عن القضاء المدني إلا ببعض الأمور وإن كان شرط العلم وهو الأهم هو من الشروط التي من الصعب تحقيقها في معظم القضاة الشرعيين ويبقى الأمر كما أسلفنا أن القضاء المدني الأردني ذو الصبغة المدنية والحقوق والمنازعات التي لم تحدد بقانون الأحوال الشخصية الأردني بعيده كل البعد عن أحكام الشرع الإسلامي .
الخلاصة :
أن الكيان لا يستقيم إلا بالقضاء ولا بد من توافر القضاه ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح وان غالبية القوانين الأردنية هي قوانين وضعيه وأن الشروط العامه بالكامل لا تتوافر بالقضاه وان تولية المرأه للقضاء فيه مخالفه شرعيه ودستورية لان دين الدوله هو الاسلام المادة /2 من الدستور الاردني .
المحامي الدكتور
محمد سالم ملحم
Mmelhem _2000@yahoo.com
الدرجة/1 الدرجة /2 الدرجة/3 المحاكم الشرعية المحاكم الكنائسيه الجنايات جمارك ضريبة محاكم امن
دخل عسكريه دوله
الاستئناف التمييز
بداية استئناف بداية استئناف
بداية صلح
محاكم شرطه محاكم محكمة
مخابرات أمن دوله
- ماهي الشروط الواجب توافرها في القاضي حسب القوانين الوضعية المادة (10) من قانون استقلال القضاء :
6) أن يكون أردني الجنسية غير متمتع بحماية أجنبيه
7) أن يكون قد أتم السابعة والعشرين من عمره وتتوافر فيه الشروط الصحية للتعين .
8) متمتعا بالأهلية المدنية ، وغير محكوم بأية جناية بإستثناء الجرائم السياسية .
9) غير محكوم من محكمة أو مجلس تأديبي لأمر مخل بالشرف ولو رد اعتباره أو شمله عفو عام .
10) أن يكون حاصلا على شهادة الدراسة الجامعية الأولى الحقوق من جامعة معترف بها .
وبالتدقيق في هذه الشروط ومقارنتها مع الشروط الواجب توافرها في القاضي حسب أحكام الشريعة الإسلامية فإن هناك فارقا واسعا مابين تلك الشروط ويمكن إجمال قواعد توافقية لشروط تبؤ القضاء في الشريعه والقانون .
يتضح أن شرط الأهلية وحسن الخلق والاستقامة والنزاهة هي شروط تجتمع ما بينهما لكن شرط الذكوره في القانون الوضعي ليس شرطا للتعين في
يتضح أن شرط الأهلية وحسن الخلق والاستقامة والنزاهة هي شروط تجتمع ما بينهما لكن شرط الذكوره في القانون الوضعي ليس شرطا للتعين في القضاء كذلك شرط العلم بالأحكام الشرعية والسنة والاجماع والناسخ والمنسوخ والقياس لا يؤخذ به أيضا هناك توافق في موضوع الصحة وشروطها من حيث اللياقة وكذلك الشريعه لا تشترط أن يكون القاضي في سن محدده لكنه مهم بالنسبة للشروط إذ ليس من المعقول أن يتولى القضاء شخص جاهل وإن العلم بالأحكام تحصل حاصل .
وهنا لا بد لنا أن نشير إلى أن الشروط التي حددها الإسلام لتبؤ القضاء لا تنطبق في مجملها و/أو مفردها على جميع القضاة النظاميين دون استثناء . اما القضاء الشرعي فإنه لا يقل عن القضاء المدني إلا ببعض الأمور وإن كان شرط العلم وهو الأهم هو من الشروط التي من الصعب تحقيقها في معظم القضاة الشرعيين ويبقى الأمر كما أسلفنا أن القضاء المدني الأردني ذو الصبغة المدنية والحقوق والمنازعات التي لم تحدد بقانون الأحوال الشخصية الأردني بعيده كل البعد عن أحكام الشرع الإسلامي .
الخلاصة :
أن الكيان لا يستقيم إلا بالقضاء ولا بد من توافر القضاه ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح وان غالبية القوانين الأردنية هي قوانين وضعيه وأن الشروط العامه بالكامل لا تتوافر بالقضاه وان تولية المرأه للقضاء فيه مخالفه شرعيه ودستورية لان دين الدوله هو الاسلام المادة /2 من الدستور الاردني .
المحامي الدكتور
محمد سالم ملحم
Mmelhem _2000@yahoo.com
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment