Sunday, 1 November 2009

التطور التاريخي للرقابة القضائية على دستورية القوانين

المقدمة :
لازلنا في المملكة الاردنية الهاشمية نأمل بأن يتم انشاء محكمة دستورية ولا يساورنا الشك في أن ذلك سوف يتحقق لما لدى القياده من توجهات فكريه نيره، وبنفس القدر نأمل من السادة المحامين والقضاه ان يتصدو لكل قانون او مادة في قانون او نظام يخالف الدستور بالامتناع عن تطبيقه بالنسبه للقاضي بناء على طلب الدفاع ونامل من المحاكم العليا ان تصدق اية قرارات تصدر عن المحاكم الادنى والذي نأمل أكثر ان تتصدى محكمة العدل العليا بالحكم بالالغاء لأي مادة او قانون أو نظام يخالف الدستور .

وللوقوف على جوانب تطور الرقابة الدستورية على القوانين فإننا سنستعرض ذلك من خلال مايلي .

اولا : التطور التاريخي للرقابة على القوانين في الولايات المتحدة الامريكية .
ثانيا :انتشار الرقابة القضائية على دستورية القوانين
أ‌- محاكم بعض الدول التي تأخذها الرقابة على دستورية القوانين.
ب- الدول التي نصت دساتيرها صراحه على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين .
ثالثا : بعض القوانين او المواد القانونية التي تخالف الدستور الاردني .
1) الولايات المتحدة هي الدولة الاسبق التي شَيدت صرح الرقابة القضائية على دستورية القوانين :
أ‌- لم يتضمن الدستور الامريكي نصا يقرر حق المحاكم في رقابه دستورية القوانين لكنه تقرر من جانب القضاء وتأيد من الفقه:
ب- مرت الرقابة في امريكيا بمراحل متعددة ولم تنشأ دفعه واحده حيث كانت المحاكم الاميريكيه تطبق القوانين دون التعرض لمدى مطابقة احكامها مع القواعد الدستورية في الدولة كما هو الحال لدينا .
ج- كانت بعض المحاكم الاميريكه قبل نشاة الاتحاد عام 1789 تباشر الرقابة الدستورية على القوانين من خلال احكام عديده منها حكم محكمة ولاية نيوجرسي في سنة 1780 التي قضت ببطلان هيئة محكمة من 6 محلفين لمحاكمة بعض المجرمين في جرائم معينة مخالفة بذلك ما استقر عليه العرف الدستوري من ان هيئة المحلفين تتكون من (اثني عشر) عضو ايضا حكم محكمة كارولينا الشمالية سنة 1787 م في قضية فحواها عدم دستورية قانون اعترف بملكية العقارات المشتراه من ما صودر من اموال خصوم الثورة .

أما القضية الشهيره التي تعتبر اساس الرقابة لدى المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين فهي قضية القاضي ماربوري( Marbory ) ضد ماديسون ( Madeson) والتي تتلخص وقائعها في انه بعد فوز الرئيس توماس جيفرسون في نهاية عام 1800 وانصاره من خصوم الاتحاديين _ اتجه الاتحاديون الى تعين بعض القضاه ممن يحملون لواء سياستهم ويستطيعون الوقوف في وجه الرئيس والكونجرس الجديدين حيث عمدو الى تعين الوزير جوردن مارشال رئيسا للمحكمة العليا سنة 1801 في شهر كانون /2 وانشاء ستة محاكم اقليميه جديده وتعيين 16 قاضيا جديدا للعمل فيها وتعيين عدد من القضاه للعمل في ولاية كولومبيا هذه القرارات صدق عليها الرئيس جون ادمنر في ليله انتهاء مدة رئاسته ، الوزير مارشال كان وزيرا للداخليه ويعين رئيسا للمحكمة العليا – اغفل عن ارسال كتب التعيين الى القضاه بسبب حالة الاستعجال .
تولى الرئيس الجديد توماس مهام المنصب وانتهز السهو ليحول دون اكمال اجراءات التعيين لأكبر عدد ممكن من القضاه الموالين لحزب الاتحاديين المعارض فأصدر تعليماته الى الوزير الجديد ماديسون بأن يسلم اوامرالتعيين الى بعض القضاه دون البعض الاخر .

وكان القاضي ماربوري احد الذين صرف النظر عن تعينهم فلم يقبل ولجأ الى المحكمة العليا التي اصبح رئيسها مارشال الذي كان وزيرا للداخلية .
هنا وقعت المحكمة العليا في حرج فإن قضت لصالح ماربري كانت معادية للإدارة الجديدة وان قضت لغير صالحه كانت معادية للإتحادين الذي ينتمي اليهم مارشال رئيس المحكمة فأخذت موقفا وسطا بين ذلك حيث حكمت بأحقية المدعي القاضي ماربري بالتعيين ولكنها رفضت اصدار القرار الى وزير الداخلية بتسليمه امر التعيين مستنده الى ان القانون الذي حولها سلطه اصدار الاوامر غير دستوري ومن هنا اكد القاضي مارشال حق المحاكم في بحث دستورية القوانين واصدار المبدأ القائل بأن القاضي يطبق القانون لكن له الحق في عدم تطبيقه اذا كان يخالف الدستور .

وقد استمرت المحكمة الاتحادية العليا وسائر المحاكم الامريكيه في تأكيد توسيع الرقابة الدستورية . وساعدها في ذلك تطور الظروف السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه تطورا كبيرا منذ القرن التاسع عشر فلقد شهدت البلاد بعد نهاية الحرب الاهليه بداية التقدم الصناعي للراسماليه مما ادى الى مطالبة البعض بضرورة حماية الدوله الاتحادية للافراد ضد تجاوزات الرأسماليه وحمايتها من اية معوقات تمنع تقدمها . واذا كانت المحكمة الاتحادية قد ركزت اهتمامها في بداية الامر لحماية طبقة الملاك فإنها في عام 1936اتجهت نحو حماية حقوق العمال كما اتجهت في عام 1953 الى الدفاع عن المساواه المدنيه والسياسيه وفي عام 1990 الى حماية الحريه الفردية وفي عام 1992 الى حماية حرية التجارة ولم تقتصر رقابة المحكمة الاتحادية العليا على رقابة دستورية القوانين الاتحادية بل اخضعت تشريعات الولايات اعضاء الاتحاد للرقابه على دستوريتها عندما يطعن امامها بالنقض في الاحكام الصادرة من المحكمة الاتحادية لكل ولاية اذ يتحقق من احترام تلك التشريعات للقوانين الاتحادية والدستور الاتحادي كما انها لم تقتصر على دستورية القوانين بل مدتها ايضا الى شرعيه اللوائح والقرارات الفردية وذلك لعدم وجود محاكم ادارية في النظام الامريكي تختص بالفصل في المنازعات ذات الطابع الاداري فقضت في سنة 1948 في قضية سايا ضد ماير بعدم دستورية لائحة لتعارضها مع الحماية الصريحه لحرية الرأي ، كما قضت في سنة 1952 في قضية اضراب عمال الصلب بعدم دستورية قرار صادر من الرئيس ترومان الى وزير التجاره بالاستيلاء على جميع مصانع الصلب وادارتها بعد ان هدد عمالها بالاضراب .

ثانيا : انتشار الرقابة القضائية على دستورية القوانين

اذا كانت الولايات المتحده الامريكيه تعد اول دوله اخذت بفكره الرقابه القضائية على دستورية القوانين فإن هذه الفكره قد انتقلت بعد ذلك الى كثير من الدول فأخذت بها محاكم بعض الدول على الرغم من عدم وجود نص يعطيها هذا الحق كما نصت بعض الدول على هذه الرقابة في دساتيرها .
أ‌) محاكم بعض الدول تأخذ بالرقابه على دستورية القوانين :
اخذت محاكم بعض الدول بالرقابه على دستورية القوانين وقررت ان من حق القضاء فحص مدى مطابقة القانون المعروض للدستور ومن ذلك حكم محكمة النرويج العليا سنة 1890 وحكم محكمة كريستيانا العليا سنة 1893 وحكم محكمة اريوباج باليونان سنة 1904 وحكم محكمة النقض في رومانيا سنة 1912 والذي جاء فيه (( حيث انه في التعارض يكون من حق القاضي التثبت من دستورية القانون العادي فإذا اتضح مخالفته للدستور وجب عليه تفضيل النصوص الدستورية .ولا يمكن القول بان القاضي في هذه الحاله قد خرج عن اختصاصه واعتدى على اختصاص السلطة التشريعيه بل بالعكس ان القاضي بعمله هذا انما يقوم بوظيفته القانونية وهي معرفة أي قانون يجب تطبيقه في النزاع المطروح امامه )) ومن ذلك ايضا القضاء المصري منذ صدور حكم محكمة القضاء الاداري في 10 شباط سنة 1948 وحتى إنشاء المحكمة العليا في سنة 1969 وهو ما سار عليه القضاء في كندا واستراليا واتحاد جنوب افريقيا .

ب) بعض الدساتير التي تنص صراحه على حق القضاء في الرقابه على دستورية القوانين :
تضمنت الوثائق الدستورية لبعض الدول النص صراحه على حق القضاء في رقابة دستورية القوانين ومن ذلك الدستور السويسري الصادر في سنة 1784وكذلك دستور النمسا الصادر في سنة 1920 الذي نص علىانشاء محكمة دستورية عليا تختص بالغاء أي قانون او نص قانوني يتعارض مع الدستور .

ومن ذلك ايضا دستور رومانيا الصادر في سنة 1923 ودستور العراق الصادر في سنة 1925 وستور ايرلند الصادر في سنة 1937 ودستور اليابان الصادر في سنة 1947 ودستور ايطاليا الصادر في سنة 1947 ودستور المانيا الغربيه الصادر في سنة 1949 ودستور الصومال الصادر في سنة 1960 ودستور تركيا الصادر في سنة 1961 ودستور الكويت الصادر في سنة 1962 ودستور ليبيا الصادر في سنة 1963 ودستور تشيكوسلوفاكيا الصادر في سنة 1968 ودستور جمهوري مصر العربية الصادر في سنة 1971 والدستور السوري الصادر في 1973 ودستور جمهورية يوغسلافيا الاتحايه الاشتراكيه الصادر في سنة 1974 ودستور اسبانيا الصادر في سنة 1978 ودستور بولندا الصادر في سنة 1982 ودستور السودان الصادر في سنة 1998 ودستور مملكة البحرين الصادر في سنة 2002 .

ولقد اخذت معظم الدساتير في وسط اوروبا والتي صدرت عقب سقوط الشيوعيه بالرقابة القضائية وانشأت محكمة دستورية تتولى الرقابه على دستورية القوانين ومن ذلك دستور المجر سنة 1989 ودستور بلغاريا سنة 1991 ودستور رومانيا سنة 1992 ودستور سلوفاكيا سنة 1993 ودستور التشيك سنة 1993 ودستور يوغسلافيا سنة 1993 ودستور بولندا سنة 1997.
ج- الرقابة القضائية على دستورية القوانين تتفق مع طبيعه عمل القاضي
لا شك ان الرقابة عن طريق هيئة قضائية وسيله منطقيه يفرضها حكم عمل القاضي لأنه وهو يقوم بتطبيق القانون على ما يعرض امامه من منازعات يكون ملزما عند تعارض قانون عادي مع نص دستوري ان يستبعد القانون العادي ويعمل حكم الدستور فالقاضي مقيد في حكمه بقوانين الدولة العادية كما هو مقيد بالدستور الذي يعد القانون الاساس لها ، وما دامت النصوص القانونية القائمة في الدوله مختلفه في الدرجه فإن المنطق يقضي بتطبيق القانون الاعلى وإهدار القانون الادنى في حالة التعارض بينهما وبالتالي فإذا تعارض قانون مع الدستور وجب تطبيق الدستور دون القانون.وفضلا عن ذلك تمتاز الرقابة القضائية بحياد القاضي وبعده عن تيارات السياسه واهواء الاحزاب كما ان التكوين القانوني لرجال القضاء يؤهلم للقيام بالرقابه على دستورية القوانين نظرا للطبيعه القانونية التي تتصف بها موضوعات هذه الرقابه .

والرقابة القضائية على دستورية القوانين ليست من اجل اضفاء حماية قضائية على قواعد غير قانونية وليست من اجل تمكين القضاء وحده من الامساك بحقائق القانون وانما هي من اجل التمكين للدوله القانونية القائمة على سيادة القانون والحيلوله دون الاخذ بمفاهيم لم يسمح بها المشرع الدستوري والدفاع على ارادة الشعب الذي أصدر الدستور وبالتالي حماية الديمقراطيه.
وتعتبر الرقابة القضائية على دستورية القوانين من الوظائف الفنيه القضائية حين ينهض بها قضاه متخصصون قادرون على كفاله الرقابه على القوانين وهي وظيفه ابداعيه تفوق بكثير الوظائف القضائية التقليدية التي يغلب عليها عنصر التطبيق وخدمة القوانين القائمة فمنهج تفسير القضاء الدستوري للدستور يختلف كثيرا عن منهج جهات القضاء الاخرى في تفسير القوانين اذ يتمتع بحرية واسعه تتيح له التجاوب مع احتياجات المجتمع المتطوره فالدستور----- كما تقول المحكمة الدستورية العليا في مصر----- وثيقه تقدميه لا ترتد مفاهيمها الى حقبة ماضية وانما تمثل القواعد التي يقوم عليها والتي صاغتها الاردادة الشعبيه انطلاقه الى تغير لا يصد عنه التطور آفاقه الرحبه .
والصوره التي تمارس بها الرقابه القضائية ليست موحده دائما اذ تختلف دساتير الدول في تحديد الهيئات القضائية التي توكل اليها مهمة رقابة دستورية القوانين كما تختلف هذه الدساتير ايضا في كيفية تحريك الدعوى امام هذه الهيئات القضائية وتختلف كذلك في تحديد السلطات المخوله للهيئة القضائية في حالة مخالفة القانون العادي لاحكام وقواعد الوثيقة الدستورية او لأحكام القانون الاساسي الذي يحتل مرتبه اعلى من مرتبة القوانين العادية .

ثالثا : بعض القوانين او النصوص القانونية التي تخالف الدستور الاردني

اولا : قانون الاستملاك:
المادة /11 دستور والتي جاء فيها ( لا يستملك ملك احد الا للمنفعه العامه وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون )
وجه المخالفه ان المادة 11 من قانون الاستملاك حددت عدم التعويض عن الربع القانوني في حالة استملاك الشوارع والمباني


ثانيا : قانون العقوبات :
المادة 389/5 : ظروف تجلب الشبهه تخالف المادة 16 من الدستور والتي جاء فيها (( للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون)) كذلك وقف تنفيذ العقوبة حددت المادة / 54 يجوز للمحكمة عند الحكم بالحبس في جناية او جنحه لمدة لا تزيد عن سنه ان نأمر بوقف تنفيذ العقوبة وفقا للأحكام والشروط / وجه المخالفه طالما ان القاضي الجزائي يملك كافة الصلاحيات لماذ نقيده بوقف العقوبة لمن حكم عليه لمدة لا تزيد عن سنة الاصل ان تكون الحرية للقاضي ، الذي يملك الكل يملك الجزء ووجه المخالفة ايضا للمادة 17 والمادة 102 من الدستور المشار اليها بأعلاه من الدستور القضاء مستقلون .
- م/97 دستور : القضاه مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.

- م/102 تمارس المحكام النظامية في المملكة حق القضاء على جميع الاشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية........الخ

ثالثا :قانون التحكيم
الماده/51 : اذا قضت المحكمة المختصه بتأييد الحكم وجب عليها ان تامر بتنفيذه ويكون قرارها قطعي واذا قضت بالبطلان يكون قراراها قابلا للتمييز خلال 30 يوم وجه المخالفه ان حق الطعن من الحقوق الاساسيه المقررة في القانون للخصوم فلماذا الاستثناء ؟؟؟

رابعا : قانون الاثار رقم 31/ لسنة 88
المادة /30 : على الرغم مما ورد في أي قانون آخر لا يؤخذ بالاسباب المخففة التقديرية لتنزيل العقوبة عن الحد الادنى المقرر لاي مخالفه من المخالفات المنصوص عليها في القانون حتى الشروع لا يخفف.
اين صلاحيات القاضي ؟؟؟ ووجه المخالفه مخالفة النص الدستوري في المادتين 97 و102 من الدستور الاردني المشار اليهما آنفا .

خامسا : قانون الاحوال المدنية :
حيث ورد النص في المادة 35 بعدم جواز تعديل تاريخ الولاده ومكانها بأي حال من الاحوال.
ووجه المخالفة : مخالفة النص الدستوري في المادتين 97 و102 من الدستور الاردني المشار اليهما آنفا .

سادسا : قانون الإجماعات العامة رقم 45 لسنة 2001 :
المادة /3 على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر يحظر عقد أي اجتماع عام او ينظم مسيره الا بعد تقديم طلب لهذه الغاية وبعتبر قراره نهائيا مخالفين حظر الاجتماع وقرار نهائي .
ووجه المخالفة :
م/16 للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون .

م/17 حق التظلم للاردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من امور شخصية .

الخلاصة :
اننا بامس الحاجة قضاه ومحامين الى البدء بالطعن في كل قانون او ماده أو نظام يخالف الدستور وان تأخذ المحاكم بذلك وتتصدى من تلقاء نفسها لأن ذلك من النظام العام ونامل من كافة المحاكم اعتبار اية قرارات صادرة في هذا الامر هي مرجعية لبقية المحاكم .

والله ولي التوفيق.
المحامي الدكتور
محمد سالم ملحم
Mmelhem _2000@yahoo.com

No comments:

Post a Comment